الأربعاء، 6 فبراير 2013

من يطعن الأسرة الكويتية من الخلف؟


هناك قضية مهمة للغاية وغائبة عن كثيرين، ولعل غيابها هو بسبب التكتم وغياب الشفافية وسياسة "الخش والدس" وعدم الإفصاح. فمن خلال تفحصنا لقوائم المدارس الخاصة في الكويت وهي قوائم منشورة في موقع وزارة التربية على الإنترنت اكتشفنا أن هناك عدد كبير من المدارس التي تمتلكها شركات ليست متخصصة بالتعليم وإنما شركات استثمارية وعقارية وصناعية وتمويلية ومقاولات.


 لا شك أن التجارة مباحة ولكنها تخضع لأصول لا ينبغي تجاهلها، وأهمها مدى إمكانية مقدم الخدمات في تقديم خدمات ليست ضمن مجاله وبخاصة عندما تكون الخدمات المقدمة تتعلق بالتعليم والصحة. ومن الأصول أيضا أن لا يتحايل مقدم الخدمة بتأسيس شركات تحمل أسم له دلالة بمصطلح  "للخدمات التعليمية" لتسهيل مهمته في الخوض في مجال ليس مجاله. وإن كان ذلك أمرا لا بد منه والقوانين تسمح بذلك فعلى الحكومة أن تراقب الوضع المالي لتلك الشركات الاستثمارية وذلك من خلال البنك المركزي ووزارة التجارة والتأكد ما إذا كانت قرارات الشركات التعليمية التي تملكها لا تخضع لها أو لضمان عدم تدخل الشركات الاستثمارية بشركاتها التعليمية حتى لا تصبح المدارس الخاصة التي تملكها تلك الشركات الاستثمارية وسيلة لسد عجزها وخسائرها على حساب أولياء الأمور ومستقبل أبناؤهم.

لقد تبين بعد تحليل قائمة المدارس الخاصة أن 30% من المدارس الخاصة في الكويت تملكها في النهاية شركات استثمارية عبر مجموعة من الشركات وكانت عملية كشف ذلك أشبه ما تكون بلعبة السلم والحية بسبب تداخل الملاك وعدم وجود الشفافية في أسواق الكويت (مع شديد الأسف)، ولا نستغرب إذا اكتشفنا لاحقا أن النسبة الحقيقية قد تزيد عن 70% من المدارس الخاصة تملكها شركات استثمارية وصناعية وغيرها من الشركات. كما لا نستغرب إذا تم التعامل مع بعض المدارس بطريقة التضمين التي تشبه في آليتها تضمين البقالات وصالونات الحلاقة، أي أن تكون المدرسة وفقا للأوراق الرسمية يملكها شخص واحد ولكنها في الحقيقية تملكها شركة استثمارية أو شركة تدوير نفايات وهكذا.

لنوضيح الأمر أكثر: لقد اكتشفنا أن هناك مجموعة مدارس تملكها شركة ثم هذه الشركة تملكها شركة أخرى ثم هذه الشركة الأخيرة تملكها شركة أخرى إلى أن نصل إلى شركة أخرى تملكها مجموعة شركات وهكذا. على الرغم من أن هذا الأمر قد يكون طبيعي في كثير من الأعمال التجارية ولكن لا يجوز تعريض عملية تعليم 60 ألف طالب كويتي إلى هذا النوع من اللف والدوران الذي يشوبه الكثير من تعارض المصالح بحيث تتعرض الخدمات التعليمية لمخاطر نتيجة تعثر الشركات الاستثمارية التي تملكها.

كنا في السابق نتحدث عن التكلفة الفعلية للطالب فهي أساس تحديد الرسوم الدراسية العادلة (راجع تقدير التكلفةالفعلية في المدارس العربية والأجنبية) بالإضافة إلى التقييم الأكاديمي وكنا نستغرب من المبالغة في رسوم المدارس الخاصة ولكن يبدوا أن الأزمة الاقتصادية كان لها دور كبير في دفع ملاك المدارس من شركات استثمارية إلى المطالبة برفع الرسوم، الأمر الذي يدعوا إلى التساؤل؛ هل رفع الرسوم كان الهدف منه زيادة رواتب المعلمين والتحصيل العلمي للطالب؟ أم كان لسد عجز الشركات الاستثمارية والعقارية والصناعية وغيرها من شركات تملك بصورة مباشرة وغير مباشرة تلك المدارس؟


يدعي البعض أن رسوم المدارس الخاصة متدنية وأن تلك المدارس لا يمكن لها الاستمرار ما لم توافق وزارة التربية على زيادة الرسوم. إن كان ذلك صحيحا فإنه من المنطق أن كثيرين من ملاك المدارس الخاصة سيعزفون عن المضي في فتح المزيد من المدارس الخاصة، أليس كذلك؟ ولكن ما عثرنا عليه في قائمة المدارس الخاصة غير ذلك، فهناك حوالي 167 مدرسة يملكها 76 مالك أي بواقع مدرستين لكل مالك (تقريبا)، بل أن هناك من يمتلكون 10 و9 و 8 و 7 مدارس بمختلف النظم والمناهج الدارسية، وتبلغ نسبة الملاك الذين يمتلكون أكثر من مدرسة حوالي 43% يملكون 74% من إجمالي المدارس الخاصة. ولعل عدم قيام وزارة التربية بدورها في الرقابة على المستوى الأكاديمي لتلك المدارس وعدم كشفها للتكلفة الفعلية للطالب وموافقتها المستمرة على الزيادة التراكمية للرسوم أصبحت تلك المدارس لكثير من الشركات الاستثمارية كالدجاجة التي تبيض الذهب والملاذ الآمن لأي نكبة اقتصادية، فهناك دائما أولياء أمور سيدفعون الرسوم مهما ارتفعت خشية من تعثر أبنائهم فيما لو نقلوا إلى التعليم العام بسبب اختلاف المناهج وعقبة اللغة.

إجمالي عدد المدارس الخاصة في الكويت (تقريبا)
167 مدرسة
نسبة الملاك الذين يملكون أكثر من مدرسة
43%
نسبة المدارس التي تملكها شركات استثمارية بصورة مباشرة وغير مباشرة
30%

 
لنكن أكثر وضوحا     
نحن لا نقصد المطالبة بإقصاء الشركات الاستثمارية من الاستثمار في التعليم، بل أن الشركات الاستثمارية هي الوقود المحرك للمشروعات التنموية التي تعود على المجتمع بالمنفعة في كل مكان في العالم. ولكن إن أردنا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح فإنه يجب منع الشركات غير المتخصصة في مجال التعليم كالشركات الاستثمارية من أن يكون لها تأثير في قرارات وسياسات أي شركة تعليمية. ولعل الأمثلة في العالم كثيرة، وربما الهيئة العامة للاستثمار قد تعرضت إلى الكثير من القيود في الدول المتطورة عندما اشترت حصحص بعض الشركات بكميات تخول لها التحكم بسياسات تلك الشركات. كما أن سياسية الافصاح عن الاستثمار في كل من التعليم والصحة لا يجب التسويف بها لأن ذلك يعرض المجتمع إلى الدمار والمخاطر عندما تمتلك بعض الشركات الاستثمارية مدارس ومستشفيات ثم تضطر بعد ذلك تلك الشركات في حالات الكساد والأزمات الاقتصادية إلى تقليص النفقات في المدارس والمستشفيات على حساب مستقبل وصحة المواطن ومقدراته.


 
من يطعن الأسرة الكويتية من الخلف؟
مع شديد الأسف والألم الذي اعتصر قلوبنا ونحن نعد هذا الموضوع اكتشفنا أن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تمتلك حصص كبيرة في تلك الشركات التعليمة وكذلك الاستثمارية والصناعية والتمويلية التي تمتلك المدارس الخاصة بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبنسب ليست هينة بحيث يخول لها مقاعد في مجلس الإدارة والتأثير على قرارات وسياسيات تلك الشركات وهذه الهيئة الحكومية لم نسمع منها يوما عن دور قامت بها في تخفيف المعاناة على الأسرة الكويتية بل تطالب من خلال الشركات التي تمتلكها برفع رسوم المدارس الخاصة ولعلها ترغب في سد عجز الشركات الاستثمارية نتيجة الأزمة الاقتصادية من مقدرات ومدخرات الأسرة الكويتية (والله عيب). أما اليد الأخرى التي تحمل خنجر آخر لتطعن به الأسرة الكويتية هو المجلس ال   الذي يستثمر هو الآخر بنسب عالية في بعض الشركات التي تمتلك مدارس خاصة بصورة مباشرة أو غير مباشرة وكأنه يستخدم أوقاف المسلمين في إيذاء المسلمين بالغبن (لا بارك الله في من سعى إلى إيذاء المسلمين).

المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية
المجموعة التعليمية القابضة
14.02%
أعيان للإجارة والاستثمار
5.73%
إياس للتعليم الأكاديمي والتقني
20.50%
مجموعة الامتياز الاستثمارية
6.39%
تمويل الإسكان
23.23%
مجموعة الصناعات الوطنية القابضة
7.45%


المجلس العام للأوقاف الكويتية
المجموعة التعليمية القابضة
6.25%
إياس للتعليم الأكاديمي والتقني
10.00%


وأخيرا
كما ذكرنا سابقا إن غياب الشفافية وحجب المعلومات وصعوبة الحصول عليها كانت العقبة في كشف الكثير من المعلومات التي تقودنا إلى تحليل أكثر دقة مما يدفعنا إلى الشكوك والريبة في أمر المدارس الخاصة وأسباب المطالبة برفع رسومها وكأننا نعيش في فيلم من أفلام هوليود التي تحكي قصته عن تحالفات ومؤامرات واستغلال جشع لا نرغب أن يكون له مكان في بلادنا ولا أن يعرض مستقبل أبناؤنا لسوء. لذلك نحن حصلنا على تلك المعلومات من مجموعة مصادر ونحسبها هي الأقرب إلى ما هو معلن من معلومات (موقع سوق الكويت للأوراق المالية وغرفة التجارة والصناعية ومعلومات مباشر)، وبناءا على ما تقدم فإننا نرى ضرورة حماية مستقبل أبناؤنا بإعادة النظر في القوانين المتعلقة برخص المدارس الخاصة وملكياتها وضرورة خضوع الشركات التعليمية لوزارة التربية ووضع النظم التي تكفل وتضمن استمرار الخدمات التعليمية بجودتها حتى وإن تعثرت الشركات الاستثمارية والصناعية والعقارية والتمويلية وغيرها من شركات تمتلك مدارس أو جامعات خاصة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.


إن الحل ليس بالدعم الذي لن تستفيد منه إلا الشركات الاستثمارية لسد خسائرها وإنما بكشف التكلفة الفعلية للطالب والتقييم الأكاديمي وإعادة النظر في رخص المدارس الخاصة وإسناد التعليم الخاص لشركات متخصصة لا تتدخل في شأنها الشركات الاستثمارية وغيرها من شركات لا علاقة لها في التعليم. ومنع استغلال الأسرة الكويتية من قبل شركات تسعى إلى تعويض خسائر مغامراتها التجارية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق