الأحد، 29 سبتمبر 2013

رحمة في الكويت، أعيدوا النظر في خطة مطعم الباجة والخباز




انطلاقا من فهمنا لطبيعة مجتمعنا ومعرفتنا بتقاليد وأعراف الأعمال التجارية في البلاد نجد أنفسنا آسفين لحقيقة أن الكويت في وقتها الحالي لا يمكن لها أن تصلح نظامها التعليمي العام مهما كثر المستشارون وتوسعت اللجان ووضعت الخطط ورصدت الأموال ما لم تتخذ اجراءات قد تكون خارجة عن المألوف وربما لا تعجب كثيرون حتى وإن كان ذلك التغيير مفيدا لهم على المدى البعيد. إن أي تغيير إيجابي في الكويت فيما يتعلق بالتعليم العام يستدعي ابتكارا غير مألوفا تراعى فيه القيم الاجتماعية السائدة في الكويت من جهة والتمهيد لقبوله من قبل أكبر عدد ممكن من الناس المنتمين لشريحة مؤثرة في المجتمع من جهة أخرى.


إن ما تسعى إليه الدولة في الكويت ليس تغييرا وإنما تطويرا والفرق كبير، فالتطوير هو الاستمرار مع نظام قائم بعد تحسينه وأما التغيير فهو استبدال نظام بنظام آخر وهو الذي نحن بحاجته اليوم فالناس وظروفهم اختلفت عن الماضي بطريقة فجائية لم يشهدها مجتمع من المجتمعات في العالم من قبل إلا التي تعرضت لاحتلال وتهجير. وعلينا أن لا نغفل حقيقة أن مجتمع الكويت اليوم ليس امتدادا لمجتمع الكويت الأمس وعلينا أن ندرك أننا نعمل وفقا لنظم لا تلائمنا اليوم بسبب التغير الكبير والمفاجئ الذي طرأ على المجتمع بعد سنوات معدودة من تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
 


مع شديد الأسف ما تقدم لا ينطبق على التعليم العام فقط وإنما أيضا على مجمل القطاعين العام والخاص في البلاد بمختلف أنواعه ولعل قطاع التعليم الخاص ليس استثناء بل أنه قائم على عيوب التعليم العام وليس على إمكانياته في تقديم تعليم ذو جودة عالية. إن شيوع الفساد في القطاع العام هو بسبب سهولة كشفه وذلك لاعتبارات الرقابة الدستورية والقانونية وحرية الصحافة في انتقاده دون قيود وكذلك شعور العاملين فيه بأحقيتهم الوطنية في القطاع الحكومي، وربما فساد القطاع الخاص الذي لا يراه الناس لكونه لا يخرج من غرف مغلقة هو أعظم وأشنع وذلك لاعتبارات عديدة أهمها انحصار ملكيته ومحاباة الصحافة له وغياب الرقابة وخشية العاملين من فقدان وظائفهم وعدم وعي المساهمين بحقوقهم وغيرها من اعتبارات لا يصح الحديث عنها في هذا الموضع. لذا فإن حل مشكلة التعليم الخاص من خلال الخصخصة ما هو إلا وهم من أوهام العاجزين وأمل من آمال المستفيدين وما بينهما مجتهد لم يصب في اختياره (عذرا ان كان في ذلك تطرف).



خطة التنمية وخطابها العاطفي مع المواطن
لم تخلوا خطة التنمية من أسلوب اغراء المواطن بطريقة فجة "إن صح التعبير". فالخطة بأكملها تخاطب انطباع الناس عن الفساد في القطاع الحكومي دون أن تتطرق إلى الجوانب السلبية في القطاع الخاص بل تعاملت مع القطاع الخاص وكأنه قطاع نزيه خالي من المثالب وأنه العصى السحرية لإصلاح كل الأمور في البلاد. ومن جانب آخر تغري المواطن بتمليكه أسهم بشركات يتم تأسيسها مع القطاع الخاص بعد تخصيص القطاع العام. ولا شك أن هذه طريقة تغطي على عيوب الخصخصة البغيضة وتدفع المواطن إلى مباركة الخصخصة ولكن ما لا يعلمه المواطن هو أن هذه الطريقة تدفع القطاع الخاص تدريجيا لامتلاك كل شيء في البلاد مع التحكم به


خير مثال على ذلك هو ما حصل مع أسهم بنك وربة الذي تم توزيع أسهمه على المواطنين وعاد كثير من المواطنين إلى بيع أسهمهم فور فتح لهم المجال وبذك فإن البنك سيصبح تدريجيا مملوك من قبل القطاع الخاص وبذلك ينتفي الهدف المعلن لتأسيس البنك وهو تمليك المواطنين للبنك وتنويع مصدر دخله. قد يقول البعض إن المواطن هو الذي اختار بنفسه أن يبيع أسهمه ولم يجبره أحد، فما شأن الدولة والقطاع الخاص في ذلك؟
إن كانت الدولة تريد دعم المواطن ببعض المال لفترة معينة، كان الأجدى لها أن تدفع له مبلغ من المال وكفى الله المؤمنين شر القتال. أما إن كانت الدولة تريد أن يصبح المواطن شريكا ومستفيدا من البنك ويصبح له موردا إضافيا مستمرا فإنها قادرة على ذلك بسد ثغرة إمكانية بيع الأسهم حتى يتحقق الهدف المعلن الذي تقول فيه الدولة أنها تريد إشراك المواطن وتوفير له موردا للدخل.

 
أما في شأن التعليم فإن خطة التنمية تسعى إلى بيع قطاع التعليم العام على الخاص تدريجيا وهذا بالطبع لصالح القطاع الخاص، ولكي يتقبل المواطن هذه الفكرة ذكرت الخطة عبارة سحرية أخرى وهي "التزام الدولة بالتأمين التعليمي للمواطنين" حيث تم ذكرها دون تفصيل، فهل هذا يعني أن الدولة ستدفع للقطاع الخاص فقط التكلفة الفعلية للطالب وأما المدارس الخاصة فتضيف تكاليف أخرى غير داخلة في التكلفة الفعلية بحيث يقوم المواطن بدفع الفرق؟ فهل هذا من تفاصيل الخطة التي لا يراد للمواطن أن يعرفها؟ ما يدعونا إلى القلق هو أن يتم تحويل الكويت بأسرها إلى شركة خاصة بحيث يصبح العباد تحت رحمة من يشتري البلاد.


أبناؤنا ليسوا مشروعات تجارية


لجأت الدولة منذ بداياتها إلى تأسيس وامتلاك شركات ذات خدمات وسلع استراتيجية وأساسية، وذلك خشية من أن تصبح الكويت حكومةً وشعبا أسيرة لمن يدفع أكثر وعرضه للاحتكار والجشع البغيض. والتعليم خدمة استراتيجية تأتي بنتائجها على المدى البعيد فأي خلل في هذه الخدمة اليوم يؤدي إلى عواقب وخيمة في المستقبل. ولا يجب أن تترك هذه الخدمة المهمة للقطاع الخاص الذي فشل في توفير تعليم ذو جودة عالية بأسعار عادلة، كما لا يجب تعريض المواطن للاستغلال والغش في التعلم في الوقت الذي تتمتع به الدولة من خيرات ونعم. إن كانت الدولة صادقة في رفع مستوى التعليم الخاص في البلاد فعليها تأسيس شركات متخصصة في التعليم مملوكة للدولة من خلال الهيئة العامة للاستثمار وبمساهمة قطاعات حكومية مثل التأمينات الاجتماعية وغيرها من قطاعات حكومية وتكون مهمتها فتح أفرع لمدارس خاصة عالمية ذات جودة تعليم عالية وبرسوم تعليم عادلة.
 


تعتبر الهيئة العامة للاستثمار التي تأسست منذ عام 1953 من أقدم الصناديق السيادية في العالم ومن أقدم المؤسسات الحكومية في الكويت ومنذ ذلك الحين وهي تمتلك الكثير من الاستثمارات المتنوعة وفي شتى الميادين حول العالم وكذلك في الكويت. إن خبرة هذه الهيئة تمكنها أن تصبح الجهة التي بالإمكان إسناد إليها خصخصة التعليم في البلاد بل إن إمكانياتها الهائلة وخبرتها العريقة ستدفع أفضل المدارس والجامعات في العالم إلى الوثوق في العمل في الكويت والمشاركة مع هذه الهيئة العريقة وفتح مدارس خاصة راقية خلال فترة وجيزة لتضمن الكويت تعليم ذو جودة عالية يزود الكويت بأجيال تواكب عصر التطور بصورة أسرع من ترك هذه المهمة لمدارس خاصة بدائية ننتظرها أن تتطور بعد حين من الدهر.

 

وعلينا أن نتخيل كذلك أن الكويت لن تستفيد من مخرجات التعليم الفائق فقط وإنما أيضا من عوائد التعليم، فالكويت أولى بمئات الملايين التي تدفعها كل من الأسر الكويتية والدولة على خدمات تعليمية غير مضمونة. فيما يلي جدول مقارنة يبين الفرق ما بين إنشاء مدارس خاصة مملوكة للدولة من خلال الهيئة العامة للاستثمار ومدارس خاصة مملوكة للقطاع الخاص من شركات استثمارية وعقارية وبنوك التي سيعهد لها خصخصة التعليم العام.




لذا نناشد كل من هو مسئول عن تنفيذ خطة التنمية أن يتريث ويعيد النظر في الجزء المعني بخصخصة التعليم وذلك رحمة بالكويت، فلا يختلف اثنان على أن القطاع الخاص هو وقود الخلافات والأزمات التي تحصل في البلاد لذا ابعدوا التعليم عن هذا المستنقع، ففي الكويت الكثير من الفرص الاستثمارية التي تتيح للقطاع الاستفادة منها، ولكن لا تمسوا التعليم بسوء. وعلينا أن ندرك أن الخصخصة في دول العالم وجه لعملة واحدة فالوجه الآخر تقاليد عريقة وقيم اجتماعية وقوانين ونظم تكافح الاحتكار والفساد وجهات رقابة صارمة تحمي المجتمع ومنظمات غير حكومية مهمتها ضمان حقوق المواطن وبيئة تنافسية عادلة وفك تقاطع المصالح وكثير من الأمور التي لا نراها خلف الخصخصة في مختلف دول العالم. ففي دول العالم لا وجود لثقافة افتح مطعم باجة وتالي افتح خباز كأنه مو لك وعقب الزبون يبي ينام نقلبه له فندق وهو سلوك سائد نراه من حولنا في القطاع الخاص في الكويت. على الرغم من أن خطة التنمية أوصت بتلك القوانين والنظم ولكن من يضمن سيطرة ثقافة الباجة والخباز. فهذا تعليم أجيال ولا يجب أن نعرض مستقبل الكويت للتجربة والخطأ. فما الذي يمنع الدولة من التعامل مع التعليم بطريقة شبيهة بشركة النفط وشركة المواشي وشركة مطاحن الدقيق، فالتعليم خدمة أساسية واستراتيجية لها انعكاسات خطيرة على مستقبل البلد؟ ولماذا تفوت الدولة فرصة استثمارية تعود بالنفع على البلد وعلى المواطن؟ ولصالح من؟

 كل من يناقش هذا الموضوع مع الأقارب والأصدقاء والزملاء يساعد على تكوين رأي عام من شأنه حماية مستقبل الكويت. فأبناؤنا ليسوا مشروعات تجارية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق